الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي مثلهم كمثل أهل بدر فحذف المبتدأ {قَرِيبًا} أي استقروا من قبلهم زمنًا قريبًا {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم كلأ وبيل وخيم سيء العاقبة يعني ذاقوا عذاب القتل في الدنيا {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب النار {كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قال للإنسان اكفر فَلَمَّا كَفَرَ قال إِنّى بَرِيء مّنكَ إِنّى أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} أي مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر، ثم متاركتهم لهم وإخلافهم كمثل الشيطان إذا استغوى الإنسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة.وقيل: المراد استغواؤه قريشًا يوم بدر وقوله لهم {لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ} إلى قوله: {إِنّي بَرِيء مّنْكُمْ} [الأنفال: 48] {فَكَانَ عاقبتهما} عاقبة الإنسان الكافر والشيطان {أَنَّهُمَا في النار خالدين فِيهَا} {عاقبتهما} خبر (كان) مقدم و(أن) مع اسمها وخبرها أي في النار في موضع الرفع على الاسم و{خالدين} حال {وَذَلِكَ جَزَاء الظالمين يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ اتقوا الله} في أوامره فلا تخالفوها {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ} نكر النفس تقليلًا للأنفس النواظر فيما قدّمن للآخرة {مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} يعني يوم القيامة سماه باليوم الذي يلي يومك تقريبًا له أو عبر عن الآخرة بالغد كأن الدنيا والآخرة نهاران يوم وغد. وتنكيره لتعظيم أمره أي لغد لا يعرف كنهه لعظمه.وعن مالك بن دينار: مكتوب على باب الجنة وجدنا ما عملنا ربحنا ما قدما خسرنا ما خلفنا.{واتقوا الله} كرر الأمر بالتقوى تأكيدًا أو اتقوا الله في أداء الواجبات لأنه قرن بما هو عمل، واتقوا الله في ترك المعاصي لأنه قرن بما يجري مجرى الوعيد وهو {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وفيه تحريض على المراقبة لأن من علم وقت فعله أن الله مطلع على ما يرتكب من الذنوب يمتنع عنه {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله} تركوا ذكر الله عز وجل وما أمرهم به {فأنساهم أَنفُسَهُمْ} فتركهم من ذكره بالرحمة والتوفيق {أُولَئِكَ هُمُ الفاسقون} الخارجون عن طاعة الله.{لاَ يَسْتَوِى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هُمُ الفائزون} هذا تنبيه للناس وإيذان بأنهم لفرط غفلتهم وقلة فكرهم في العاقبة وتهالكهم على إيثار العاجلة واتباع الشهوات كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار، والبون العظيم بين أصحابهما وأن الفوز العظيم مع أصحاب الجنة والعذاب الأليم مع أصحاب النار، فمن حقهم أن يعلموا ذلك وينبهوا عليه كما تقول لمن يعق أباه (هو أبوك) تجعله بمنزلة من لا يعرفه فتنبهه بذلك على حق الأبوّة الذي يقتضي البر والتعطف.وقد استدلت الشافعية بهذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالكافر، وأن الكافر لا يملك مال المسلم بالاستيلاء، وقد أجبنا عن مثل هذا في أصول الفقه والكافي.{لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدّعًا مّنْ خَشْيَةِ الله} أي من شأن القرآن وعظمته أنه لو جعل في الجبل تمييز وأنزل عليه القرآن لخشع أي لخضع وتطأطأ وتصدع أي تشقق من خشية الله، وجائز أن يكون هذا تمثيلًا كما في قوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة} [الأحزاب: 72] ويدل عليه قوله: {وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وهي إشارة إلى هذا المثل وإلى أمثاله في مواضع من التنزيل، والمراد توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وقلة تخشعه عند تلاوة القرآن وتدبر قوارعه وزواجره.ثم رد على من أشرك وشبهه بخلقه فقال: {هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغيب والشهادة} أي السر والعلانية أو الدنيا والآخرة أو المعدوم والموجود {هُوَ الرحمن الرحيم هُوَ الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك} الذي لا يزول ملكه {القدوس} المنزه عن القبائح وفي تسبيح الملائكة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح {السلام} الذي سلم الخلق من ظلمه عن الزجاج {المؤمن} واهب الأمن.وعن الزجاج: الذي آمن الخلق من ظلمه أو المؤمن من عذابه من أطاعه {المهيمن} الرقيب على كل شيء الحافظ له مفيعل من الأمن إلا أن همزته قلبت هاء {العزيز} الغالب غير المغلوب {الجبار} العالي العظيم الذي يذل له من دونه أو العظيم الشأن في القدرة والسلطان أو القهار ذو الجبروت {المتكبر} البليغ الكبرياء والعظمة {سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} نزه ذاته عما يصفه به المشركون {هُوَ الله الخالق} المقدر لما يوجده {البارئ} الموجد {المصور} في الأرحام {لَهُ الأسماء الحسنى} الدالة على الصفات العلا {يُسَبّحُ لَهُ مَا في السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم} ختم السورة بما بدأ به.عن أبي هريرة رضي الله عنه سألت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاسم الأعظم: فقال: «عليك بآخر الحشر فأكثر قراءته» فأعدت عليه فأعاد عليّ فأعدت عليه فأعاد عليّ. اهـ.
|